منديل قد أقام ابنه محمداً للأمر في قومه وولاه عليهم لعهده واستبد بملك مغراوة دونه ولما انصرف أبوه ثابت إلى المغرب أقام هو بأمارته على مغراوة.وهلك قريباً من مهلك أبيه فقام بأمرهم من بعده شقيقه علي ونازعه الأمر أخواه رحمون ومنيف فقتله منيف ونكر ذلك هو منهم وأبوا من أمارتهما عليهم فلحقا بعثمان بن يغمراسن فأجازهما إلى الأندلس.وكان أخوهما معمر بن ثابت قائداً على الغزاة بالبغيرة فنزل لمنيف عنها فكانت أول ولاية وليها بالأندلس.ولحق بهم أخوهم عبد المؤمن فكانوا جميعاً هنالك.ومن أعقاب عبد المؤمن يعقوب بن زيان بن عبد المؤمن ومن أعقاب منيف بن عمر بن منيف وجماعة منهم هم لهذا العهد بوطن الأندلس.ولما هلك ثابت بن منديل سنة أربع وتسعين كما قلناه كفل السلطان ولده وأهله وكان فيهم حافده راشد بن محمد فأصهر إليه في أخته فأنكحه إياها.ونهض إلى تلمسان سنة ثمان وتسعين فأناخ عليها واختط مدينة لحصارها وسرح عساكر في نواحيها.وعقد على مغراوة وشلف لعمر بن ويغرن بن منديل وبعث معه جيشاً فافتتح مليانة وتنس ومازونة سنة تسع وتسعين ووجد راشد في نفسه إذ لم يوليه على قومه وكان يرى أنه الأحق بنسبه وصهره فنزع عن السلطان ولحق بجبال متيجة ودس إلى أوليائه في مغراوة حتى وجد فيهم الدخلة فأغذ السير ولحق بهم فافترق أمر مغراوة.وداخل أهل مازونة فانتقضوا على السلطان وبيت عمر بن ويغرن بأزمور من ضواحي بلادهم فقتله.واجتمع عليه قومه وسرح السلطان إليه الكتائب من بني عسكر لنظر الحسن بن علي بن أبي الطلاق ومن بني ورتاجن لنظر علي بن محمد الخيري من بني توجين لنظر أبي بكر بن إبراهيم بن عبد القوي ومن الجند لنظر علي بن حسان صبحي من صنائعه.وعقد على مغراوة لمحمد بن عمر بن منديل وزحفوا إلى مازونة وقد ضبطها راشد وخلف عليها علياً وحمو ابني عمه يحيى بن ثابت.ولحق هو ببني بو سعيد مطلاً عليهم وأناخت العساكر بمازونة ووالوا عليها الحصار سنتين حتى شهدوهم.وبعث علي بن يحيى أخاه حمو إلى السلطان من غير عهد فتقبض عليه.اضطره الجهد إلى مركب الغرور فخرج إليهم ملقياً بيده سنة ثلاث.وأشخصه إلى سلطان فعفا عنه واستبقاه واحتسبهما تأنيساً واستمالة لراشد.ثم سرح العساكر إلى قاصية الشرق لنظر أخيه أبي يحيى بن يعقوب فنازل راشد بن محمد في معقل بني بو سعيد وطال حصاره إياه وأمكنته الغرة بعض الأيام في العساكر وقد تعلقوا بأوعار الجبل زاحفين إليه فهزمهم.وهلك في تلك الواقعة خلق من بني مرين وعساكر السلطان وذلك سنة أربع وسبعماية.وبلغ الخبرإلى السلطان فأحفظه ذلك عليهم وأمر بابن عمه علي بن يحيى وأخيه حمو ومن معهم من قومهم فقتلوا رشقاً بالسهام واستلحمهم.ثم سرح أخاه أبا يحيى بن يعقوب ثانية سنة أربع فاستولى على بلاد مغراوة ولحق راشد بجبال صنهاجة من متيجة ومعه عمه منيف بن ثابت ومن اجتمع إليهم من الثعالبة فنازلهم أبو يحيى بن يعقوب.وراسل راشد يوسف بن يعقوب فانعقدت بينهما السلم ورجعت العساكر عنهم.وأجاز منيف بن ثابت مع بنيه وعشيرته إلى الأندلس فاستقروا هنالك آخر الأيام.ولما هلك يوسف بن يعقوب بمناخه على تلمسان آخر سنة ست وانعقدت السلم بين حافده أبي ثابت وبين أبي زيان بن عثمان سلطان بني عبد الواد على أن يخلي له بنو مرين عن جميع ما ملكوه من أمصارهم وأعمالهم وثغورهم وبعثوا في حاميتهم وعمالهم وأسلموها لعمال أبي زيان.وكان راشد قد طمع في استرجاع بلاده وزحف إلى مليانة فأحاط بها.فلما نزل عنها بنو مرين لأبي زيان وصارت مليانة وتنس له أخفق سعي راشد وأفرج عن البلد.ثم كان مهلك أبي زيان قريباً وولى أخوه أبو حمو موسى بن ضمان.واستولى على المغرب الأوسط فملك تافر كينت سنة سبع وملك لعدها مليانة والمرية ثم ملك تنس وعقد عليها لمسامح مولاه وقارن ذلك حركة صاحب بجاية السلطان أبي البقاء خالد ابن مولانا الأمير أبي زكريا ابن السلطان أبي إسحاق إلى متيجة لاسترجاع الجزائر من يد ابن علان الثائر عليهم فلقيه هنالك راشد بن محمد وصار في حملته وظاهره على شأنه.ولقاه السلطان تكرمة وبراً وعقد له ولقومه حلفاً مع صنهاحة أولياء الدولة والمتغلبين على ضاحية بجاية وجبال زواوة فاتصلت يد راشد بيد زعيمهم يعقوب بن خلوف أحد وزراء الدول.ولما نهض السلطان خالد للاستئثار بملك الحضرة تونس استعمل يعقوب بن خلوف على بجاية وعسكر راشد معه بقومه وأبلى في الحروب بين يديه وأغنى في مظاهرة أوليائه حتى إذا ملك حضرتهم واستولى على تراث سلفهم أسف حاجب الدولة راشد هذا وقومه بإمضاء الحكم في بعض حشمه لعرض للخرابة في السابلة فتقبض عليه ورفع إلى سدة السلطان فأمضى فيه حكم الله.وذهب راشد مغاضباً ولحق بوليه ابن خلوف ومضطربه من زواوة.وكان يعقوب بن خلوف قد هلك وولى السلطان مكانه ابنه عبد الرحمن فلم يرع حق أبيه في إكرام صديقه راشد.وتشاجر معه في بعض الأيام مشاجرة نكر عبد الرحمن فيها ملاحاة راشد له وأنف منها وأدل فيها راشد بمكانه من الدولة وببأس قومه فلذعه بالقول وتناوله عبد الرحمن وحشمه وخزاً بالرماح إلى أن أقعصوه.وانذعر جميع مغراوة ولحقوا بالثغور القاصية فأقفر منهم شلف وما إليه كأن لم يكونوا به.وأجاز منهم بنو منيف وبنو ويغرن إلى الأندلس للمرابطة بثغور المسلمين فكانت منهم حامية موطنة هنالك أعقابهم لهذا العهد.وأقام في جوار الموحدين فل آخر من أوساط قومهم كانوا شوكة في عساكر الدولة إلى أن انقرضوا.ولحق علي بن راشد طفلا بعمته في قصر بني يعقوب بن عبد الحق فكفلته وصار أولاد منديل عصباً إلى وطن بني مرين فتولوهم وأحسنوا جوارهم وأصهروا إليهم سائر الدولة إلى أن تغلب السلطان أبو الحسن على المغرب الأوسط ومحا دولة آل زيان وجمع كلمة زناتة وانتظم مع بلادهم بلاد إفريقية وانتقضت العمالات والأطراف وانتزى أعياص الملك بمواطنهم الأولى فتوثب علي بن راشد بن محمد بن ثابت بن منديل على بلاد شلف وتملكها وتغلب على أمصارها: مليانة وتنس وبرشك وشرشال وأعاد ما كان لسلفه فيها من الملك على طريقتهم البدوية وأرهفوا حدهم لمن طالبهم من القبائل.وخلص السلطان أبو الحسن من ورطته بإفريقية ثم من ورطة البحر بمرسى بجاية إلى الجزائر يحاول استرجاع ملكه المفترق فبعث إلى علي بن راشد وذكره ذمته فتذكر وحن وأشترط لنفسه التجافي عن ملك قومه بشلف على أن يظاهره على بني عبد الواد فأبى السلطان أبو الحسن من اشتراط ذلك له فتحيز عنه إلى فيئة بني عبد الواد الناجمين بتلمسان كما ذكرناه قبل وظاهرهم عليه.وبرز إليهم السلطان أبو الحسن من الجزائر والتقى الجمعان بشربوبة سنة إحدى وخمسين فاختل مصاف السلطان أبي الحصن وانهزم جمعه وهلك ابنه الناصر طاح عمه في مغراوة هؤلاء.وخرج إلى الصحراء ولحق منها بالمغرب الأقصى كما نذكره بعد.وتطاول الناجمون بتلمسان من آل يغمراسن إلى انتظام بلاد مغراوة في ملكهم كما كان لسلفهم فنهض إليهم بعساكر بني عبد الواد رديف سلطانهم وأخوه أبو ثابت الزعيم بن عبد الرحمن بن يغمراسن فأوطأ قومه بلاد مغراوة سنة اثنتين وخمسين وفل جموعهم وغلبهم على الضاحية والأمصار.وأحجر علي بن راشد بتنس في شرذمة من قومه وأناخ بعساكره عليه وطال الحصار ووقع الغلب.ولما رأى علي بن راشد أن قد أحيط به دخل إلى زاوية من زوايا قصره وانتبذ فيها عن الناس وذبح نفسه بحد حسامه وصار مثلاً وحديثاً للآخرين.واقتحم البلد لحينه واستلحم من عثر عليه من مغراوة لآخرون إلى أطراف الأرض ولحقوا بأهل الدول فاستركبوا واستلحقوا وصاروا جنداً للدول وحشماً وأتباعا وانقرض أمرهم من بلاد شلف.ثم كانت لبني مرين الكرة الثانية إلى تلمسان وغلبوا آل زيان ومحوا آثارهم.ثم فاء ظلهم بملك السلطان أبي عنان وحسر تيارهم.وجدد الناجمون من آل يغمراسن دولة ثالثة بمكان عملهم على يد أبي حمو الأخير ابن موسى بن يوسف كما نذكره في أخبارهم.ثم كانت لبني مرين الكرة الثالثة إلى بلد تلمسان ونهض السلطان لعزيز ابن السلطان أبي الحسن إليها فاتح سنة اثنتين وسبعين وسرح عساكره في أتباع أبي حمو الناجم بها من آل يغمراسن حين فر أمامه في قومه وأشياعه من العرب كما لك كله.ولما انتهت العساكر إلى البطحاء تلوموا هنالك أياما لإزاحة عللهم.وكان في جملتهم صبي من ولد علي بن راشد الذبيح اسمه حمزة ربي يتيماً في حجر دولتهم لذمام الصهر الذي لقومه فيهم فكفلته نعمتهم وكنفه جوهم حتى شب واستوى وسخط رزقه ديوانهم وحاله بين ولدانهم.واعترض بعض الأيام قائد الجيوش الوزير أبا بكر بن غازي شاكياً فجبهه وأساء رده فركب الليل ولحق بمعقل بني بوسعيد من بلد شلف فأجاروه ومنعوه ونادى بدعوة قومه فأجابوه.وسرح إليهم السلطان عبد العزيز وزيره عمر بن مسعود بن منديل بن حمامة كبير تيربيغين في جيش كثيف من بني مرين والجند فنزل بساحة ذلك الجبل فحاصرهم حولاً كريتاً ينال منهم وينالون منه وامتنعوا عليه واتهم السلطان وزيره بالمداهنة وسعى به منافسوه فتقبض عليه وسرح وزيره الآخر أبا بكر بن غازي فنهض يجر العساكر الضخمة والجيوش الكثيفة إلى أن نزل بهم وصبحهم القتال فقذف الله في قلوبهم الرعب وأنزلهم من معقلهم.وفر حمزة بن علي في فل من قومه فلحق ببلاد حصين المنتقضين كانوا على الدولة أبي زيان بن أبي سعيد الناجم من آل يغمراسن حسبما نذكر.وأتى بنو أبي سعيد طاعتهم وأخلصوا الضمائر في مغيبهم وحسن موقعها.وبدا لحمزة في الرجوع إليهم فأغذ السير في لمة من قومه حتى إذا ألم بهم نكروه لمكان ما اعتقلوا به من حبل الطاعة فتسهل إلى البسائط وقصد تيمزوغت يظن بها غرة ينتهزها.وبرزت إليه حاميتها ففلوا حده وردوه على عقبه وتسابقوا في أتباعه إلى أن تقبضوا عليه وقادوه إلى الوزير ابن غازي بن الكاس.وأوعز إليه السلطان بقتله في جملة أصحابه فضرب أعناقهم وبعث بها إلى سدة السلطان.وصلب أشلاءهم على خشب مسندة نصبها لهم ظاهر مليانة وامحى أثر مغراوة وانقرض أمرهم وأصبحوا خولا للأمراء وجندا في الدول وأوزاعاً في الأقطار كما كانوا قبل هذه الدولة الأخيرة لهم.والبقاء لله وحده وكل شيء هالك إلا وجهه.