daka2 Admin
عدد المساهمات : 857 تاريخ التسجيل : 15/06/2008
| | لمسة في الحّب المتبادل | |
[b]مقدمة : تسع كلمات هي "تلغراف" الحب بين الناس، ونحن الذين تلقينا هذا "التلغراف" وقرأناه لعدة مرات ولكننا لم نفقهه جيدا ولم نجسده على أرض الواقع، لذلك مازلنا نعاني من بعض قساوة القلب، ومن شيء من الجفاء العاطفي والجفاف الروحي، وبعضنا وقع في سجن العزلة الاجتماعية لأن رصيده من الحب نزل إلى درجة الصفر، فتجمدت عواطفه ولم يبق له من رصيده إلاّ "حبّ نفسه" فقط، فهو يتصور أنه هو الوحيد الذي يجب أن يحبه الناس وأن عليهم أن يشدوا إليه الرحال وأن يلبوا طلباته دون مقابل، وأن يقدموا له "القرابين" إذا غضب حتى يرضى..وبالمقابل لا يرى واجبا عليه أن يقول كلمة شكر لمن أحبوه ولا يتقدم بخطوة واحدة نحو إخوانه كإشارة منه إلى الذين أحبوه..وخدموه.. فتجتمع بذلك الكلمات التسع لمنظومة الحب المتبادل بين الناس.
1- رصيد الحب المتبادل : أعجب من أناس يصابون بالحسرة والألم إذا أفلست بنوكهم أو بارت تجارتهم، وقد يصاب بعضهم بسكتة قلبية ويودع هذه الدنيا إذا نزل عليه خبر إفلاس تجارته، أو تعرضت استثماراته لأزمة اقتصادية منذرة بالإفلاس الشامل..بينما لا تهتز له شعرة واحدة في رأسه إذا ضرب زلزال عاطفي عنيف أركان محيطه الاجتماعي :
- فنفض أبواه منه أيديهم ودمغاه بختم العقوق
- وأنفض أقاربه وعشيرته من حوله لما عق والديه
- وتعاطفت القرية مع هؤلاء، فضربوا عنه صفحا
- وبدأ أصدقاؤه ينفضون عنه لأنه صار ثقيلا
- وكره الناس لقاءه لأن معاملاته صارت مادية جافة
- ولم يبق من حوله إلاّ نهازو الفرص بانتظار إفلاسه
هذا النوع من الناس محرمون من حرارة العواطف وكأنهم "روبوطات" تتحرك بقطع من غيار لا بلحم ودم، فهم كما قال القرآن الكريم عن أمثالهم : "ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسْوة.." هذه القلوب التي هي كالحجارة أو أشد قسوة لا يمكن أن يعرف أصحابها معنى الحب ولا يمكن أن يدركوا أن الذي يربط بين الناس ليس الدينار والدرهم بل المودة والسلام والكلام والوئام، وأن عواطف الناس ليست قابلة للبيع ولا يمكن أن تخضع لقانون العرض والطلب، ولا هي موضوع من مواضيع البيع في المزاد العلني، بل هي – أولا وقبل كل شيء- مشاعر وعواطف وأحاسيس تكبر بالتقدير الصادق وتسمو بالمودة والاحترام المتبادل وتعيش بالحب البرئ وتتفاعل مع الهدية الرمزية وتنتعش باللمسة الحانية واللفتة الآسرة وتموت بالجفاء وتنتحر بالعقوق، وإذا شئت قتلها بالسكتة العاطفية فتجاهلها وكأنها غير موجودة، عندئد تسقط العواطف في بئر النسيان، وتدخل المشاعر ثلاجة الكراهية وتنتحر الأحاسيس على مشنقة الإعدام "السيكولوجي" كما يقول علماء النفس.
إذا كنت تريد أن يحبك الناس فجرب أن يكون جواز سفرك إلى قلوبهم إفشاء السلام، وجرب كذلك أن تكون تأشيرة المرور إلى عواطفهم السؤال عن حالهم ومذّ يد العون إليهم إذا قصدوك أو طرقوا باب بيتك، وجرّب أخيرا أن تمشي خطوات غير متكفلة معهم، وتقول كلمات صادقة لمن تودعه وأنت تتمنى له التوفيق والسعادة والنجاح..لن تكلفك هذه السلوكات شيئًا ولن تضطر إلى دفع دينار واحد من رصيدك ولكنها تكسبك الكثير من المودة، وتعطيك صكا على بياض في رصيد الحب والأخوة والتعاون من كل الذين عرفوك وتعاملوا معك ونقلوا عنك مآثر هي سجية فيك وهي عندك خلق، ولكنها بالنسبة إليهم لمسات جمالية تخطف أبصارهم وتأخذ بمجامع قلوبهم وتستولي على مشاعرهم وعواطفهم فلا يذكروك إلاّ بخير ولا يتمنون لك إلاّ المزيد من التألق والكمال البشري.
إن كرام الناس لا يبحثون عن المنّ والسلوى وإنما يبحثون عن الكلمة الطيبة التي تنزع من القلوب أشواك الضغائن وتمسح عن الخد دموع الإحساس بالمهانة والضياع، وإلاّ فما قيمة أن أطرق بيتك فترسل لي ظرفا مغلقا بداخله ألف دينار ومعه ورقة مكتوب عليها : "أرجو ألاّ تعود ثانية" وبين أن تقابلني بوجه طلق فتسلم وتقول كلمة طيبة وتعتذر بلباقة.. وتصرفني بأخوة وعزة وإباء؟؟
هذا هو الفرق الواضح بين من يتعامل مع الناس بقلبه وهو يدرك أنهم عواطف ومشاعر وقلوب..وبين من يعاملهم بجيبه معتقدا أنهم بطون وأطماع وجيوب..وهذا هو المعني الذي أدركه عنترة بن شداد مند 16 قرنا حين قال :
لا تسقني ماء الحياة بذلة *** بل، فاسقـني بالعز كأس الحنظل
ماء الحيــاة بذله كـجهنم *** وجـهنم بالعــــزّ أطيـــب منـــزل
فالحب ليس بطنًا يشبع وجيبا يبلع وكرامة تركع..إنما الحب قلب يخفق ووجه يشرق ومشاعر تتدفق..وهذه المعاني هي أحاسيس دافئة لا يمكن "صناعتها" لأنها لا تقبل الصناعة والتملق فهي "مشاعر" تتحرك بحرارة الإيمان وسلوكات تتغذى من صفات عباد الرحمان، ولمسات إنسانية لها في القلب أثر ولها في النفس وقع لا يستشعره إلاّ من يقًّدر احترام مشاعر الناس ويعرف أن للكلمة وقعًا على النفس أشد من وقع الرماح والسيوف، ولك أن تدرك "الكتلة الجمالية" التي تستثيرها الهدية في النفس البشرية إذا جاءت من يد حبيب، ذلك أن الهدية – مهما كانت صغيرة ورمزية- لا قيمة لها في ذاتها، فليس ثمنها هو الذي يرخصها أو يرفع من شأنها وإنما تستمد قيمتها من اليدين اللتين قدمتاها ويكبر شأنها كلما كان مرسلها كبيرًا حتى لو كانت مجرد ورقة عادية مكتوبا عليها : "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمان الرحيم"، ولك أن تفقه ما قامت به ملكة سبإ (قبل إسلامها) تجاه سليمان (ع)، لأنها فهمت الرسالة وعرفت "قيمة" صاحبها، فلم تجد إلاّ أن تليّن قلبه بهدية، وقد عرفتَ كيف كانت هذه الهدية مقدمة لتحولات عظيمة حالت دون حدوث حرب طاحنة بين دولتين.
إن الهدية رسالة سلام، بل هي لمسة إنسانية حانية فإذ غُلقت بمسحة من الحب الحاني وكُبست بخيوط من المشاعر الرقيقة : فانتقاها صاحبها بعناية واختار لها مناسبة لها وقعها الخاص في قلب الموجهة إليه وأرفقها بعبارة منتقاة من قاموس الذكريات السعيدة تحولت هذه الهدية إلى "مشروع حضاري" للمصالحة قد يكون سببا في "ترحيل" جهة بكاملها من معسكر الحقد ومخيمات الكراهية إلى مروج الألفة وجداول الوفاء، فيفتح الناس لك أبواب قلوبهم وتحملهم هذه العواطف على أن يتبنوا فكرتك ويُدافعوا عن منهجك ويضعوا أنفسهم وكل ممتلكاتهم وقدراتهم تحت تصرفك.
ولكي تدرك قيمة الكلمة وعظمة اللفتة راجع سبب إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقل لي بعد ذلك كيف تريد أن يحبك الناس وأنت غارق في حب نفسك لا ترى العالم إلاّ من خلال ثقب إبرة أنانياتك ولا يوجد عندك إنسان مهم وآخر محترم وثالث مقدم ورابع مبجل وخامس ذو سبق وفضل..فأنت –في نظر نفسك، والعياذ بالله- المقدم والمؤخر والمعز والمذل..وهذا لعمري منتهى الشك وحضيض الشرك والموت الزؤام.
2- تلغراف الحب : قلت لك إن هناك تلغرافا للحب والآن أبصم بالعشرة أنه كذلك، لأنه خلطة سحرية مجربة، فهو قليل الكلمات دقيق العبارات، جامع لكل معاني الحب مانع لكل أشباح الكراهية غالق لجميع أبواب التملص منافذ والهروب مما ليس منه بد، وضامن للنتيجة ضمان وجوب جزم جواب الشرط إذا تقدم عليه فعله المجزوم، فالتلغراف يقول لك : "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يجب لنفسه" والمرسل هو رسول الله (ص) والمستقبل هو أنت، والمطلوب هو الالتزام بهذه الوصفة الطبيّة حرفيا :
- أن تحب للناس ما تحبه لنفسك
- فيحب لك الناس ما يحبونه لأنفسهم
- فيقع الحب المتبادل بينك وبين الناس، فيسلم الجميع ويغنموا جميعًا.
- إن عدد كلمات هذا التلغراف تسع، وعدد الحروف 31 حرفا والمعنى العام : هو أن الإيمان لا يكمل إلاّ إذا وضع كل مؤمن نفسه في مكان من يتعامل معه من الناس، ولعل قصة الشاب الذي فاجأ الصحابة (عليهم الرضوان) في حضرة الرسول (ص) وهو يطلب –بوضوح وصراحة- من رسول الله (ص) أن "يرخص" له في الزنا لأنه صاحب باءة زائدة عن الحد، ولما ضجّ الصحابة وثاروا مستنكرين هذا السلوك الفج هدَّأهم رسول الله (ص) ثم التفت إلى الشباب مريبا بالحب – حريصًا على تخليصه من هذا الانحراف- فسأله عدة أسئلة وهو يجيب بثقة وإخلاص : هل ترضاه لأمك؟ قال لا..هل تحبه لأختك؟ قال : لا..هل، هل؟ قال لا..لا..ثم مسح على صدره فخرج وهو يشعر أن أبعض شيء إلى نفسه هو الزنا.
ما معنى هذا التحول؟
معناه : أن الشاب كان صاحب قلب جاف، كان أنانيا لا يحب إلاّ نفسه، وكان غافلا عما طلبه لنفسه معتقدا أنه وحده الراغب في هذا الصنيع وأن من يحبهم ويكره أن يصيبهم شيء من هذا هم بمنآي عنه، فلما رده رسول الله (ص) إلى ما كان ذاهلا عنه تقابلت الصورتان المخزيتان في مخيلته فأصابه الفزع مما كان يحبه لنفسه، فلما أدرك أن هذا الحب لا يكون كاملا إلاّ إذا وضع نفسه مكان غيره عاد إليه رشده بالجواب عن سؤال بسيط ولكنه قارع لذاكرة النسيان:
- أنت تطلب أن يؤذن لك بفعل الفاحشة مع آخر فهل تقبل فعلها مع أمك؟
- أنت تستأذن أن ترتكب الزنا مع بنات الناس فهل تحب أن يفعل الناس ذلك مع بناتك وأصولك وفروعك (بنتك..أمك..أختك..زوجتك..إلخ) ؟
ولأن العقل فزاع، والخلق جزاع، والضمير مناع، والشرف هلاع..فإن الشاب اضطرب لمنطق الرسول (ص) وصدق محبته للناس، فخارت قواه وتزلزلت أركانه وهو يستحضر صورة "الفعل بأمه" وأخته ومن في حكمها فإذا بنفسه تنقبض –وهو يتخيل الصورة المقابلة للفعل- فعافت نفسه هذا الصنيع وثابت الفطرة إلى رشدها : فالفطرة السليمة لا تقبل لنفسها ما تكره أن تفعله بالناس ولا ترضى للناس ما لا ترضاه لنفسها وتكره لهم ما تكرهه لذاتها..إلخ، فتستوي قاعدة الحب المتبادل، والكره المتبادل، والحرص المتبادل، والمشاعر المتبادلة..وهكذا تبدأ "لمسات" التقارب والمودة بين الناس جميعا، ومن باب، أولى بين المؤمنين والمؤمنات، ناهيك عمن تجمعهم فكرة واحدة ومنهج فريد، وزيادة في التبسط والشرح لكلمات تلغراف الحب المتبادل نقول :
- لا يؤمن : لا يكون إيمانك كاملا من جانب الخلق، وإن كمل من جهة العقائد والفرائض والعبادات والحلال والحرام، فزينة الدين الخلق، وأقرب الناس مجلسا من رسول الله (ص) يوم القيامة أحاسنهم خلقا، وهل الحب والكرة إلاّ مشاعر وأحاسيس وعواطف..أعمقها ما كان لله (حبا وبغضا وعطاء ومنعا) وأدناها ما كان لما خلق الله من حيوان ونبات وجماد، لا لشيء إلاّ لأن الله خلقها وأمرنا أن نكرمها حبا لله وتعظيما لما خلق وبرأ، إلاّ ما أمرنا هو سبحانه وتعالى بكرهها لا لأنه خلقها بل لأنها "تمردت" عن ألوهيته وخرجت عن شرعه وخالفت دينه وعصت أمره وحادت عن الخط الذي جعله لعباده صراطا مستقيما.
- أحدكم : أيُّ واحد منكم من ذكر أو أنثى كبير أو صغير، عالم أو جاهل غني أو فقير..فالكل معنيٌّ بهذا الخطاب والجميع سواسية في التنافس لاستكمال إيمانهم بالغيب وإذعانهم للخالق والتزامهم بالفرائض ووقوفهم عند حدود الله..وكلهم ملتزمون كذلك، وبعد ذلك، ومع ذلك بأن يستكملوا شروط الإيمان بما هو من زينته وجماله وجاذبيته وهو الخلق الحسن : "أن تحب للناس ما تحبه لنفسك".
- حتّى يحب : إلى غاية أن يملأ قلبه بحب الناس والتفاعل معهم في دائرة العلاقات الإنسانية العامة لأن الأصل في الإيمان هو الحب ولا يمكن أن يكون المؤمن إلاّ محبا لما خلق الله، ولكل ما هو خير وجمال ونعمة وصفاء، وهل كان الإيمان بالله إلاّ حبا لله و"ذوبانا" في ذاته وسباحة في ملكوته.. خضوعا وتسليما ابتغاء حبه وابتغاء مرضاته.
- لأخيه : والأخوة ثلاثة أنواع عامة وخاصة وخصوصيته، فأما العامة فهي أخوة النوع الآدمي والإنسانية جمعاء، فكلنا من آدم وآدم من تراب، وقد كان الأنبياء والمرسلون (ع) يتحدثون إلى أقوامهم بلسان الأخوّة لأن الله يرسل إلى كل قوم "أخاهم" وذلك ما نقرأه في كتاب الله تعالى منطوقا ومفهوما :
- فقد أرسل الله إلى عادا أخاهم هودا
- كما أرسل إلى ثمود أخاهم صالحا
- وإلى مدين آخاهم شعيبا..إلخ
ووصف بقية الأنبياء بأنهم "إخوة" قومهم أرسلهم إليهم ليخاطبوهم بلسانهم ويطرقوا عليهم أبواب قلوبهم من مدخل "الأخوة" فقال تعالى : "إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون.." وبعدها "قال لهم أخوهم لوط ألاّ تتقون" و..وكل نبيّ أرسل إلى "إخوته" كنوع بشري عام..يدخل في هذا النوع من الأخوة الأخوة الناتجة عن الأرحام، هذا عن الأخوة العامة، وأما الأخوة الخاصة فهي أخوة الدين والعقيدة التي جعلها الله تعالى محصورة في الإيمان ومكفوفة عن سواه : "إنما المؤمنون أخوة" فبعد عداوة الكفر أنعم الله على المؤمنين بالإيمان فألف بين قلوبهم ليصبحوا بنعمته إخوانا..وهذا درس محفوظ.
أما الأخوة الخصوصية فهي التي تنشأ عن تعاقد فريق من المؤمنين على طاعة الله ونصرة دينه بمنهج خاص يختارونه لأنفسهم من صميم الدين العام، فتجتمع على هذه الفكرة كلمتهم وتتآلف عليها محبتهم وتتمحض قلوبهم على ذكر الله ومحبته وتلتقي على طاعته وتتعاهد على نصرة شريعته فتتوثق روابط حبها ويدوم على المنهج ودّها وتهتدي بوضوح الفكرة إلى مراشد سبلها..وعندئذ لا يصبح الحب مجرد مشاعر وعواطف وذكريات، بل يسمو فوق ذلك ليصبح "برنامجا ربانيا" يجعل كل المؤمن على المؤمن حراما دمه وماله وعرضه : "أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه" ثم تتدرج المحبة وتتعمق إلى أن يصبح أكبرهمّ المؤمن على أخيه المؤمن أن يعفو عن أخطائه ويغفر زلاته إذا كان حيا، فإذا مات استغفر له وردد قوله تعالى : "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان".
- ما يحب لنفسه : عندما يتعلق الأمر بحب النفس تبدأ دائرة النرجسية تتسع حتى لا تبقى لصاحبها هامشا من حب الناس في قلبه، فهو لا يحب إلاّ ما يريحه ولا يتعلق إلاّ بما يشبع غرائزه أو بما يملأ غروره، ولا يتنازل إلاّ إذا وجد نفسه أسير "شيء" فرضه عليه هواه وأملته عليه عواطفه المتأجحة، أما ما سواه فيحيط نفسه تجاهها بسور من الكراهية والمقت وهو لا يدري أن الحياة أخذ وعطاء، وأن الإحسان إلى الناس هو مفتاح فتح القلوب.
هذا النوع من الناس –فوق كونه أنانيا ونرجسيا- فهو كذلك بارد المشاعر ميّت العواطف متحّجر القلب.. ينظر إلى الناس وكأنهم "سلع" في السوق يشتريها إذا ما احتاج إليها ويستعملها عند الحاجة فإذا كرهتها نفسه تخلص منها كما يتخلص المدخنون من أعقاب السجائر، وبهذه السلوكات يعزل كثير من الناس أنفسهم عن المجتمع ويعيشون داخل سجون يصنعونها بأنفسهم لأنفسهم، ويعيشون بلا قلوب وبلا عواطف وبلا مشاعر.. فهم لا يحبون شيئًا وإنما يحبون فقط أنفسهم.
- يتوصلون معك إذا كانوا في ورطة فإذا خرجوا منها نسوك
- يتحدثون إليك في الهاتف بعدد مواقيت الصلاة لأنهم يشعرون بالفراغ، فإذا وجدوا ما يشغلهم قطعوا الخطوط وبدلوا الأرقام وأراحوا أنفسهم منك ومن أحاديتك الفارغة.
- يهدونك أفخر الملابس وأثمن الأحجار الكريمة لأنهم يعتقدون أنك الجسر الوحيد الذي يستطيعون المرور عليه إلى مآرب أخرى، فإذا قضوها أو تعثرت قبل قضائها طالبوك برد ما أهدوك متحججين بأنهم أخطأوا العنوان، وأن الهدايا كانت موجهة لغيرك من الناس !؟
هذا الحب ساقط بجميع المقاييس، وصاحبه ساقط أيضا لأنه كمهاجر أم قيس، هو في الظاهر متحرك للهجرة مع المهاجرين ولكن حقيقته المضمرة واقعة في حبين مزيفين :
- حب الهجرة إلى دنيا يصيبها
- وحب الهجرة إلى امرأة يتزوجها.
فهجرة هذا الرهط من البشر ليست لله ولا لرسول الله (ص) وإنما هي هجرة نفعية انتهازية، فهجرته إلى ما هاجر إليه، وحبه لنفسه، وأنانيته، ونرجسيته وليس حبا متبادلاً، لأنه لم يقرأ التلغراف جيدا : "حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
الخاتمة : إن أكثر الناس في واقعنا اليوم يحبون فقط من ينفذ لهم ما يريدون، ويقوم بما يطلبون، ولا يناقشونه فيما يطرح من أفكار وما يصدره إليهم من أوامر، أي أنهم يطالبون كل من يحيط بهم أن يكونوا كما يحبون هم لا كما يحب الناس أن يكونوا، إن أدعياء الحب المتبادل أنانيون، بل هم غارقون في النرجسية وفهمهم للحديث الشريف السالف الذكر معكوس، فكأنهم يقولون للناس بلسان حالهم : "لا يؤمن أحدكم حتى يحب ما أحبه أنا ويكره ما أكرهه أنا"، فهو –في نظر نفسه- وصيّ على قلوب الناس وعقولهم ومشاعرهم، بل يتصور نفسه "القطب" الذي يدور عليه الكون والناس من حوله ذرات تدور في فلكه بلا عقول، ولا عواطف، ولا أحاسيس ولا مشاعر ولا "كيان"، نقول لهذا الصنف من الناس :
حنانيك..فالحب قطبان والتيار العاطفي لا يمكن أن يشكل "دارّة" للسيالة العصبية الحارة العاملة بالتناوب للإنارة ولا بالمقاومة الميتة لتوليد الحرارة إلاّ إذا تم توصيل القطبين بسلك ناقل لتيار الحب النابض بالحياة عنوانه الكبير :"حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ويكره لأخيه ما يكرهه لنفسه.
وهو حديث بحاجة إلى لمسة أخرى.[/b] | |
|