موضوع: تقرير النشاط الثوري لقرية مول القنة الثلاثاء 21 أكتوبر 2008 - 15:42
بسم الله الرحمن الرحيم تقرير النشاط الثوري لقرية مول القنة
مقدمة : بسم الله و كفى وصلى اللهم و سلم على النبي المصطفى ـ أيها الحضــــــور الكرام السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ـ إن أوفى الأوفياء من بقي للشهداء ذاكرا لمناقبهم و متبعا لأثارهــــــــم و معترفا بفضلهم كيف لا و المولى جل شأنه قد خلدهم في كتابه العزيز قائلا : ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ الأية 169 من سورة آل عمران قديما قال الحكماء :
من وعى التاريخ في صدره ﴿﴾ فقد أضاف أعمارا لعمره و حيث سالت الدماء الزكية لا تنبت شجرة النسيان. إن مول القنة هذه القرية المجاهدة و الشاهدة بأبنائها المخلصين ممن قضوا نحبهم و من المنتظرين الذين ما بدلوا تبديلا، إنها لتقف اليوم موقفا للوفاء و للتاريخ و هي تريد أن تربط الحاضر بالماضي مستشرفة المستقبــــــــل الواعد تنمية و تعميرا بحو ل الله . دوار أو قرية مول القنة و كغيرها من القرى و مداشر الجزائر العميقة عاشت أحداثا عظيمــــــــة إبان الثورة التحـــــــــريرية المباركة حيث ساهمت بنضالات و تضحيات أهاليها، و بالدماء الزكية للشهداء الستة الذين سقطوا في ميدان الشرف.
و هذه السطور المعدودة محاولة مني لرصد بعض الوقائع و الأحداث إبان الثورة المباركة مستلهمة من الذاكرة الشخصية ومن الشهادات المروية بالتواتر من أبناء القرية . النشاط الثوري للشهيد معاشو عبد القادر: قبل سنة 1956 بمدة طويلة تم تمهيد سير النشاط الثوري من طرف المذكور أعلاه و بمشاركة ابن عمتـــــــه التومي عبد القادر المدعو س. البشير وعبد الوهاب محمد المدعو عبد الإله وأخرون فكان له الإختيار في بداية النشاط مع أهالي عرش واريزان السبب في ذلك مسقــــــط رأس جده هناك الجعايطية فسكانها ليسو بغرباء عنه و لايأملون له و لهم إلا الخير والصــــــلاح و راح ينشط بكل عزم وإرادة دون هوادة مع ابن عافية و غيره أما إبنه أحمد كان يماثله في نفس النشاط بعرش أولاد سلامة السبب الذي ساعده على ذلك هو انه سبق أن درس القـــــــــــــــــــــــرءان في مسجد س . بللوش حيث تم التنسيق بينه و بين الشهيد حفيد الشيخ س . محمد و الشيخ بالخاين و غيرهم ... الإعلان الثوري :
في ليلة الخميس مارس 1956 و بعد صلاة العشاء تجمع الرجال القادرون على مسار الثورة مــــــــــــن القرية بالمسجد و بعد تنويره بالشموع عوض الكهرباء التي كانت مفقودة آنذاك افتتحت الجلسة من قبل السيد عبد المالك قيادي فرغب الحاضرين على حمل المشعل الثوري مستندا في حديثه بآيات بينات مـن الذكر الحكيم وأحاديث نبوية إلا أنه ركز كثيرا على شرح و فهم الآية : ﴿ لا يَسْتَـــــــــوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِـــــــــــــــــــــــدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}الآية 94 من سورة النساء. و بعد اقتناع الجميع رغبهم على المشاركة ماديا و معنويا و روحيا ثم حثهم عل كتمان السر و خاصة على الذين لا يطيقونه مثل الصغار و غيرهم، أختتمت الجلسة بعد مضي ساعة و نصف، أطفئت الشمــــــــــــوع و ذهب الثوار إلى منزل السيد معاشو و بعض من المواطنين الذين تتوفرفيهم كفاءة أهداف الثورة،ووزعت الأدوار كالاتي: السيد معاشو عبد القادر ﴿ عبد الرزاق ﴾: مركز الإتصال للعــــــــــــروش التالية : عرش واريزان شرقا، بني زنطيس غربا ، الظهرة سيدي موسى شمالا ، الحمادنة جنوبا بالإضافة إلى مهــــــــــــام قاضي مفتي ، كان كل معظلة إلا ويحلها عملا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكانت كلمتــه آنذاك محترمة و مقبولة من قبل قيادة الثورة و المواطنين وخير شهد على ذلك يوم 19 /05 / 1958 أما ابنه احمد كان يشغـــــل مهام إتصال لدى الجهات المذكورة أعلاه . المرحوم جلول دواجي علي وشقيقه امحمد: مسئولان على ما يحدث في القرية من جمع الاشتراكات و توزيع الأدوار على الذين يستقبلون تعدد الجنود من إيواء وأكل وشرب ودور توزيع الحراسة وغير ذلك .
كوردغلي الحاج بن يحي : مهامه آنذاك معلم القرءان الكريم لفتية القرية وكان مبتور القدمين جراء الحـــــــــرب العالمية الثانية و كان منزله تشد إليه الرحال من كرم الضيافة للثوار و كانت له صلة جد و ثيقة مع صاحب المركز ومن صفاته الكلام بالحكمة و التبسم في وجه الغير. الشهيد مصطفى دواجي امحمد: يتصف بالقوة في البدن و النشاط في العمل و الإخلاص في القول بالرغم من أنه أمي إلا أن سيمته الفولاذية تخيف غيره لذا أختير من قبل قيادة الثورة فأسندت له مهام قيادة بعض شبان القرية الذين لا يخافون الموت استجابة لنداء الواجب فكان يسلك بعض الأماكن الوعرة كالطـــــــــــــريق الرابط بين وادي ارهيو ومازونة و يحضر أسلاك الهاتف ثم تبعث إلى جيش التحرير الوطني إلى الغابة ''المنطقـــــة'' لاستعمالها عند الهجوم مثل وضع القنابل و الألغام كما كان له اتصال مستمر مع بعض الناشطين في مازونة - أولاد مزيان ، الحجايجية لتتبع أحداث النشاط الثوري وإبلاغ المركز وكان مدمن على الجلســـــات وإبداء الرأي بغية المزيد في النشاط الثوري مع معاشو و ابنه وبعض الناشطين المذكورين سابقا إلا أن اللقــــــاء كان يختلف من مكان إلى آخر حفاظا على السر.
ليلة الحصار: يوم الأحد 18 ماي 1958 كانت القرية حافلة بالنشاط بحضور المجاهدين 18 جنديا من بينهم جنــــــدية تدعى حياة هي و سي عكاشة ابناء العم ولا تزال على قيد الحياة تقطن حاليا بالصفصاف و في منــــــــزل صاحب المركز ألقيت دروسا على مسامع الحاضرين من جنود ومسائل القرية. أول درس أستهل من قبل الشهيد معاشو عبد القادر بعنوان الجهاد فرض عين، ثم عبد المالك و عبد المجيد بعنــوان الوطن أغلى و أغلى من الحياة ثم تدريب الجنود على أنغام الأناشيد الوطنية / من جبالنا ، جزائرنا و كانت الجلسة لايخلو منها الفاصل المنشط كالنكت لإثارة الضحك و الترويح عن النفس تارة فتارة لنسيان ماخلفـه العدو من قتل للأولاد و هتك للحرمات و سلب للمال ... ثم تفرق المواطنون و اتجهوا إلى منازلهم، أما المجاهـدون فمنهم من بات ليلته عند جلول دواجي ومنهم من قضاها عند صاحب المركز مثل سي عكاشة و سي مفتاح و غيرهم ، وكان السيـــــد مصطفى دواجي امحمد مسؤولا على تناوب الحراسة غير أنها كانت مركزة على شمال القرية لأنها من هـــــذه الناحية سهلة التسلل و كان الهدف من هذه الجلسة تحضير الجو الملائم لقدوم كتيبة من المجاهدين كاملة العـــدد و العدة لأجل الهجوم على العدو وبالتحديد على الطريق الرابط بين وادي ارهيو و مازونة دون المساس بمصلحة أهالي القرية غير أن الرياح تجري بما لا تشته السفن . يوم الحصار و المعركة: في ليلة الإثنين 19 ماي 1958 كانت هادئة يسودها الدفء وينيرها ضوء القمر و الحراسة على أشدها والدور لحظتها مسند إلى الشهيد براسيل محمد و في الثلث الأخير من الليل تنبأ معاشو عبد القادر وهو في صلاة التهجد إلى حركة غير عادية فأيقظ الإبن احمد و الوالدة فساعداه في التحسس ، عرفو ا أن القريــــة محاصرة و لاريب حين ذاك أيقظ الجنود ، توجهت بدوري و بسرعة إلى منزل دواجي فوجدتهم متشاورون عن الجهة الممكن الإنسحاب منها أو الهجوم ثم عدت إلى المنزل نظرت في سي عكاشة متأبطا سلاحـــــــــه و قبعته على رأسه بالزي العسكــــــري قــــال لسي مفتاح أنـــــــزع جلابتك و أمــر الجماعة ان يبدو بزيهــــــــم العسكري ثم قال لأبي و والدتي وداعا الله أكبر رد عليه الوالد نعم يبعث المرء يوم القيامة على ما مات عليه وداعا الله اكبر ، توجهت غرب القرية و إذا بجنود العـــــدو تلمح قبعاتهم فشعرت بأن القرية محاصرة من غير شك رجعت و لا أملك نفسي آنذاك توجهت جهة الجنـــــــــــــوب بالتحديد عند محمد بن حمو و من الخشية و الرعب دخلت عليه دون إذن فوجدت أخي أحمد هناك فنهــــرني و قال : عد من حيث أتيت خرجت و إذا بسي عكاشة و سي مفتاح يجرون جرية البط شاهرين سلاحهم إلى الأمام متجهين ناحية شمال القرية فقالا لي لاتتبع أثارنا ارجع من طريق آخر حتى لايراك العدو لأنه يطاردنا ،وصلت إلى المنــــــــــــــزل إلا بجهد و الرصاص يصب من حولي ومن كل جانب ، شاهدت والدي يودع الأم و الجدة ثم قال لوالدتي حــــــافظي على تربية الأولاد آخر ما سمعت .وعند الشروق بثواني قليلة عم القرية صراخ وبكــــــــــاء الأطفال و دوي الرصاص من كل جهة ثم استولى العدو على كشف كل منزل فوجهوا الرجال جماعيا إلى ناحية و النساء إلى ناحية ـ الجندية حياة اختبأت ضمن مجموعة النساء و أعطيت لها رضيعة حتى لا يشك فيها العدو.
بدأ العدو يراقب البطاقات و بجانب المسجد عميل ''بياع'' يرتدي جلابة و ملثم بثوب أســـــــــــود لا تعرف وجهه وكان يشير بيديه إلى العدو و إلى صف الرجال بالتحديد فأول من آخــــــذوا مصطفى دواجي امحمد بمفرده ثم معاشو عبد القادر وابنه أحمد إلى منزليهما الأب في غرفة و الإبن في غرفة تجاورها ، أول ماقيــــل للشهيد أنت بالذات و من أجلك ترى هذه العدة و العتاد نود منك إذن اليقين بكــــل تفصيل و كيف لا،حقا كـــــــــــان هو نور الثورة يسطع من كل الجهات الأصلية و الفرعية للقرية إلا أن الشهيد كان لهم بالمرصاد ، طلب هذا الأخير من الضابط صلاة ركعتين لله فقبل طلبه و بعد الصـــــلاة انقلب حاله فأصبــــــــــح أصم أبكم أعمى لم يستفيد منه العدو لا بحرف و لا بإشارة إثرها أمر الضابط الحركيان تعذيبه بأبشع الطرق من ضرب و شتم وركل... ثم صبوا عليه وابلا من الرصاص إلى أن فارقت روحه الزكية جســــــــده الطاهر وتركوه في مسبح من دماءه على الساعة التاسعة و النصف (استنادا على شهادة إبنه أحمد)، أما ثوار القرية فروا كلهم من جهة الشمال لأنها كانت غير محاصرة، أما إبن الشهيد أحمد لم يتمكن من الفرار فعذب كثيرا بالسـوط و الكهرباء التقليدية ثم قادوه إلى السجن بعد تدخل أحد الضباط وعلى الساعة العشرة أتى حركي متأبط ســـــــــــــــلاح الشهيد براسيل محمد إلى حيث تجمع الرجال و قال إن صاحبكم قتل وبسخرية إنه يتنعم في جنة الفردوس وفي نفس اللحظة وقع هجــــــــــــــوما حول حديقة التين الهندي من صب للرصاص و للقنابل اليدوية وعلى مرأى الناس شـــــوهد ضابط برتبة ''فيسيان'' الذي كان يشير إلى الجهة الموجـــــــــود فيها المجاهدين سي عكاشة و سي مفتاح وما هي إلا دقائق قتل الضابط من قبل المجاهدين فسحبوه بعدما ألقوا عليه غطاءا ثم و ضعــــــــوه في سيارة من نـــــوع ''جامسي'' وذهبوا به إلى حيث لا نراه مع قتلاهم البالغ عددهم الخمسة عشر أما الشهيد كردوغلي استجوبوه فلم يدلي لهم بأية معلومة فقتلوه عندئذ و هذا استنادا على شهادة احد أبنائه. الشهيد مصطفى دواجي امحمد غير بعيد عن تجمع الرجال سأله حركيان عن سير النظام الثوري ، فالبرغم من أنهم قيدوه وفقئوا عينيه إلا أنه أمسك بحركي و ضمه إلى صدره فصاح هذا الأخير لسبب قطع أنفاسه و على إثرها صوب نحو رأسه رصاصات فسقط شهيدا و هو يصرخ الويل لكم تبقى في الجزائر عجوزا وإلا سلبت منكم الحرية ... وقبل الغروب بدقائق انسحب العدو وتفرقت الجموع ليتفقد كل واحد منهم أحوال بيته. كانت أولى خطواتي نحو الشهيدين فواريت سوءاتهما بجلابتين خفيفتين كنت أرتديهما، أما في منزل الشهيد معاشو عبد القادر كانت والدته الضريرة تبكي وتنادي يا عبدق ، أرشـــدني أخوه إدريس أن لا أزيد على كسوته أي شيء لأنه يتمتع بموتة الشهداء. عند الغروب وقبل العشاء توجه كل من كانت له استطاعة حفر القبر فمنهم العاصب على رأسه، يــــديه، ظهره ،..من شدة العذاب. دفن الشهداء الخمسة جماعيا و في قبر واحد بعدما زملوا و دفنوا في كســـــــــوتهم باستثناء الشهيدين سي عكاشة و سي مفتاح في تلك الجلابتين، أما الشهيد كوردوغلي فقد دفن في مقبرة أهله. و في الختام أشهد الله الذي لاإله إلا هو وهذه الأرواح الزكية أن ماذكرته في هــــذا التقرير المتواضع من سنة 1956 إلى غاية 1958ماهو إلا عبارات عن رؤوس أقلام تسيلها الأنامل وإني أرى كل شيء في هــــــذه القرية لآية تدل على عظمة الشهداء. أيها الشهداء السلام عليكم في الأولين و سلام عليكم في الآخرين و سلام عليكم إلى يوم الدين.
حرر يوم الخميس 24 ذي الحجة 1425 هـ الموافق ل 03 فبراير 2005 م من قبل شاهد عيان معاشو عابد ابن الشهيد معاشو عبد القادر . الإمضاء:معاشو عابد